- التربية الإسلامية
- /
- ٠8الأخلاق المذمومة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين ، أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من الأخلاق المذمومة : البذاءة :
1 – مقدمة :
أيها الإخوة الكرام ، مع درس جديد من دروس الأخلاق المذمومة ، انطلاقاً من قول سيدنا حذيفة رضي الله عنه قال :
(( كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ أقع فيه ))
انطلاقاً من هذا التوجه كانت هذه الحلقات .
2 – معنى البذاءة :
اليوم مع موضوع البذاءة ، فالبذاءة اصطلاحاً هي التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة .
بالمناسبة :
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
3 – خطورة آفات اللسان :
وقد عدّ بعض العلماء من آفات اللسان ما يزيد على عشرين آفة :
(( وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
السيدة عائشة وصفت أختها صفية بأنها قصيرة فقال عليه الصلاة والسلام :
(( يا عائشة ، لقد قلت كلمة لو مزجت بمياه البحر لأفسدته ))
4 – المؤمن طاهر اللسانِ :
إخوتنا الكرام لا شك أن من أخص خصائص المؤمن طهارة لسانه ، انضباط لسانه ، لا يمكن أن يكون المؤمن فاحشاً في كلامه ، فالفحش والبذاءة ، والمزاح الرخيص والمزاح الجنسي ، والكلام الملغوم والتعليقات المستقبحة ، والفجور لا يمكن أن تكون في المؤمن ، فإن كانت فهناك شك في إيمانه .
5 – يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة :
أحياناً هناك أشياء متعاكسة ، كالأبيض والأسود ، وقد تجد في بيت هذين اللونين المتعاكسين ، في علم الضوء الأبيض مزج الألوان ، إذا جئت بدائرة ، ولونتها بكل الألوان ، ثم دورتها بسرعة يكون اللون أبيض ، فالأبيض امتزاج الألوان ، والأسود انعدام اللون ، فهما لونان متعاكسان على طرفي نقيض ، ولكنهما يجتمعان ، ففي غرفة واحدة أبيض وأسود ، إلا أن الضوء والنور يتناقضان ، فوجود أحدهما ينقض الآخر ، أن تقول : في هذا المكان ضياء وظلام ، هذا مستحيل ، لأن وجود الضياء ينقض الظلام ، ووجود الظلام ينقض الضياء ، من هنا يقول عليه الصلاة والسلام :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها ))
الخلال الطباع ، والآن هناك علوم مستحدثة ، منها علم الطباع ، ترى طفلاً هادئاً ، طفلاً حركته شديدة ، طفلاً وديعاً ، طفلاً قاسياً ، هذه طباع ، تجد مؤمناً هادئاً ، مؤمناً حاد المزاج ، كلاهما على العين والرأس ، تجد مؤمناً اجتماعياً ، ومؤمناً يميل إلى العزلة ، كلاهما على العين والرأس .
يقول عليه الصلاة والسلام :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة ))
الكذب والخيانة يتناقضان مع الإيمان ، أنت ما في ببيتك شيء ، جاءك ضيوف ، ولا تستطيع أن تغادر البيت كي تحضر لهم الضيافة ، وجدت في الثلاجة نصف كيلو لبن ، وهم خمسة عشر ، يمكن أن تضيف خمسة أضعاف من الماء ، والشراب مقبول وطيب ، لكن لو أصاب هذا اللبن قطرة بترول واحدة لن تستطيع أن تأكله ، خمس أمثال قبلها ، وقطرة بترول واحدة لن تستطيع أن تأكلها ، لأن البترول يتناقض مع الطعم الطيب ، أما الماء فيمدده .
لذلك هناك طباع كثيرة ، وأنماط سلوك عديدة ، وتصرفات كثيرة ، كلها مقبولة ، وهناك تنوعٌ في الحياة ، والله عز وجل جعل الإنسان فرْدًا ليس له مثيل لكرامته ، إلا أن هناك صفات تتناقض مع الإيمان أصلاً ، فلو وُجِدت لانعدَم الإيمان ، كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الكذب والخيانة ))
حقيقة بذاءة اللسان :
لذلك بذاءة اللسان أن تسمي الأشياء المستقبحة بأسمائها الصريحة ، أن يكون المزاح جنسياً ، أن تسمى العورات بأسمائها ، أن يكون السباب بالعورات ، أن يكون التعليق قاسياً ، أن يكون الكلام ملغوماً ، أن تستخدم الكنايات في الأمور الجنسية ، أؤكد لكم أن هذا ليس من صفات المؤمن ، المؤمن طاهر اللسان .
1 – القرآن والسنةُ يكنيان عن الأمور الجنسية بغاية من الأدب :
مَن قدوتنا ؟ ربنا ، دقق ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ ﴾
ينطوي وراء ذلك كل أنواع الانحراف الجنسي ، أرأيت إلى دقة هذه العبارة وروعتها وأدبها ؟ كيف عبر الله عز وجل عن العلاقة الزوجية ؟ قال تعالى :
﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً ﴾
تغشّاها كلمة لطيفة لا تجرح الحياء أبداً ، قال تعالى :
﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا ﴾
وهذه كلمة ألطف .
النبي عليه الصلاة والسلام في كل أقواله كان عفيف اللسان ، رأى إحدى قريباته ترتدي ثياباً شفافة ، تشفّ عنها ، قال :
(( يا بنيتي ، إن هذه الثياب تصف حجم عظامك ))
كلمة عظام لا تثير الشهوة ،
(( يا بنيتي ، إن هذه الثياب تصف حجم عظامك ))
2 – أدب الصحابة في الكناية عن معاشرة النساء :
والله أيها الإخوة ، أنا مندهش بأدب الصحابة ، امرأة تشكو زوجها أنه يعتزلها ، ولا يقربها أبداً ، جاءت سيدنا عمر ، قالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي صوام قوام ، ما انتبه لها ، قال : بارك الله لك بزوجك ، سيدنا علي قال : إنها تشكوه ، لا يقاربها أبداً ، في النهار صائم ، وفي الليل قائم .
لعله الآن لا يحضرني تفاصيل تعبير الصحابة عن الأمور الجنسية ، لكن والله من حين لآخر حينما أقرا حديثاً أو كلاماً لهم شهد الله أنني أعجب أشد العجب ، بهذا الطهر بهذه اللباقة بهذا الأدب بأي مدارس تعلموا ؟ قال أيهما أكبر أنت أم رسول الله ؟ عمه ، قال هو أكبر مني وأنا ولدت قبله .
سيدنا الصديق لما وقف على المنبر ، وقف على منبر رسول الله في الدرجة العليا ، سيدنا عمر نزل درجة ، أدب ، فلما سئل قال : ما كان الله ليراني أن أرى نفسي في مقام أبي بكر ، هذه الدرجة للصديق ، ولو أنه توفي ولو أنني خليفته من بعده هذه الدرجة له ، لكن طبعاً هنا تعليق لطيف : سيدنا عثمان لم ينزل درجة ، بقي في مكان عمر ، وقد سأل خليفة أموي وزيره : لمَ لم ينزل درجة ؟ قال : أما والله لو فعلها لكنت في قعر بئر ، الثاني حكيم ، كل خليفة درجة ، بعد هذا في الأرض ، ثم في بئر .
على كل ، صدقوا أيها الإخوة أنه إذا صح أن الإسلام أربع مساحات أنا أشبهه بمثلث بثلاثة خطوط ، تقسم هذه الخطوط المساحة إلى أربعة مناطق ، في الأعلى العقيدة ، بعدها العبادة ، بعدها المعاملة ، بعدها الخلق ، هذا ما دعا ابن القيم رحمه الله عز وجل أن يقول : " الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان " .
لذلك البذاءة في التعريف الاصطلاحي : هي التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة .
وصدقوا أيها الإخوة البيت المنضبط الأولاد فيه منضبطون ، قلما تسمع من طفل كلمة بذيئة ، إذا كان أهله منضبطين ، وكثيراً ما تسمع من الطفل كلمات بذيئة وفاحشة لأنه يسمعها من أبيه وأمه ، الأب مشكلته أن أخطاءه تنتقل إلى أولاده ، وشهد الله أنني ألتقي بأخ لثلاثين عاماً ما سمعت منه تعليقاً بذيئاً ، ولا كلمة فاحشة ، هذا هو الدين ، وأعلى صفات المؤمن طهارة لسانه .
هذه التي قالت : إن زوجها صوام قوام امرأة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت رثة الهيئة ، فلما سئلت من قبل السيدة عائشة قالت لها أيضاً : إن زوجي صوام قوام ، النبي استدعاه ، ونصحه ، فجاءت بعد حين إلى السيدة عائشة جاءت عطرة نضرة متألقة ، فقالت : ما الذي حلّ بكِ ؟ قالت : أصابنا ما أصاب الناس .
انظر إلى العبارة ، لذلك أيها الإخوة ، من صفات المؤمن طهارة اللسان ، وقال بعض العلماء : البذاء هو الفحش والقبح في المنطق ، وإن كان الكلام صدقاً ، وإن كان صدقاً فيه إثم .
قال بعض العلماء : القحة ترك الحياء ، والقحة أصل الجهل وبذر الشر ، ومن لم ينصف الناس منه حياءه لم ينصفه منهم قحته ، وإذا لزم الوقح البذاءة كان وجود الخير منه معدوماً ، القحة ترك الحياء ، قليل حياء على بذيء ، والحياء من الإيمان ، من لا حياء عنده لا إيمان عنده ، الحياء والإيمان قرنا جميعاً .
من صفات المؤمن : الحياءُ :
أيها الإخوة الكرام ، صفة ثانية : أن المؤمن يستحي ، يستحي من الله ، يستحي ممن حوله ، والله وقد أضطر إلى أن أقول هذه الملاحظات : ما من مؤمن يبدل ثيابه أمام أولاده ، يدخل إلى غرفته ، لا يمكن أن يدخل الأب مع أولاده إلى الحمام من دون ثياب داخلية ، وهناك أسر متفلتة ، ترتدي البنت ثياباً شفافة أمام إخوتها ، والشباب يرتدون ثيابهم الداخلية في البيت أمام أخواتهم الشابات ، هذا كله مستهجن ، بل إن الفواحش ضمن البيت أحد أسبابها عدم التقيد بأحكام العورة .
خطورة الانحرافات الأخلاقية ضمن البيت والأسرة :
عندنا شيء اسمه انحرافات أخلاقية ضمن البيت ، وبين المحارم هذه أسبابها عدم التقيد بأحكام العورة ، دائماً وأبداً أحكام الشريعة ضمان لسلامتنا ، وليست حداً لحريتنا ، بحكم دراساتي النفسية أكثر انحرافات الأولاد الأخلاقية سببها عدم تقيد الأب والأم بقواعد الشرع ، في لقاءاتهم الزوجية ، لذلك في القرآن الكريم لا يمكن للطفل أن يدخل على أمه وأبيه قبل صلاة الفجر ، وبعد صلاة الظهر ، وبعد صلاة العشاء إلا بإذن ، لأنها أوقات مظنة لقاء ، هذه الأوقات مظنة تخفف من الثياب ، ودائماً وأبداً الشيطان يعري الإنسان ، والرحمن يلبسه الثياب ، والتعري يرافق المعاصي والآثام .
الباعث على بذاءة اللسان :
يقول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى : " إن السب والفحش وبذاءة اللسان مذمومة ومنهي عنها ، ومصدرها الخبث واللؤم ، والباعث عليها إما قصد الإيذاء ، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق " .
يا أيها الإخوة الكرام ، يجب أن تنتقي أصدقاءك كما تنتقي أغلى شيء في حياتك ، تجلس مع أصدقاء مهذبين منضبطين ، لا تستمع إلى كلمة بذيئة ، أما لو صحبت الأراذل ترذل معهم .
1 – جرح العدالة وسقوطُها :
بالمناسبة ، صحبة الأراذل تجرح العدالة ، نحن عندنا بحث لطيف جداً ، الإنسان عنده عدالة ، العدالة أن يتمتع بحقوقه المدنية تقبل شهادته ، فمن عامل الناس فلم يظلمهم ، وحدثهم فلم يكذبهم فهو ممن كملت مروءته ، وظهرت عدالته ، ووجبت أخوته ، وحرمت غيبته ، فإذا عاملهم فظلمهم ، وإذا وعدهم فأخلفهم ، وإذا حدثهم فكذبهم سقطت عدالته ، لكن إذا صحب الأراذل جرحت عدالته ، إذا أكل في الطريق جرحت عدالته ، إذا مشى حافياً جرحت عدالته ، إذا بال في الطريق جرحت عدالته ، إذا تنزه في الطريق ليملأ عينيه من محاسن الغاديات والرائحات جرحت عدالته ، إذا علا صياحه في البيت جرحت عدالته ، إذا أطلق لفرسه العنان جرحت عدالته ، إذا قاد برذوناً ، يعني حيواناً مخيفاً ، إذا طفف بتمرة بالميزان جرحت عدالته ، إذا أكل لقمة من حرام جرحت عدالته ، إذا كان حديثه عن النساء ، هذه جميلة ، وهذه صفتها كذا ، هذا مما يجرح العدالة .
2 – هذا حال بعض الناس والعياذ بالله :
والله أنا أعجب أشد العجب من إنسان يصف زوجته للناس ، يمكن أن تقول : من فضل الله لي زوجة صالحة ، هذا أقصى شيء ، وهناك أزواج يفتخر أحدُهم ويبالغ في وصف جمال زوجته ، هذا من قلة المروءة ، التصريح بالكلمات الفاحشة فحش ، وينبغي الكناية عنها ، وأكثر ما يكون هذا في ألفاظ الوقاع ، وما يتعلق به ، فإن لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها ، أما أهل الصلاح فإنهم يتحاشون عنها ، بل يكنون عنها ، ويدلون عليها بالرموز ، فيذكرون ما يقاربها ، ويتعلق بها ، ألم ترّ أن الله عز وجل كنى باللمس عن الجماع بقوله :
﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾
الدخول ، متى الدخول أي متى العرس ؟ الجماع يكنى عنه بالدخول .
أيضاً تكون الألفاظ الفاحشة باستعمال الألفاظ الدالة على قضاء الحاجة ، يدخل في الفحش ذكر النساء ، والكلام عنهن فلا يقال : زوجتك كذا ، بل يقال : هي في الحجرة ، أو من وراء الستر ، أو قالت أم الأولاد ، هناك عبارات لطيفة ، أم المؤمنين ، الأهل ، وسار بأهله :
﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً ﴾
زوجتي فتون ، لماذا هذه الكلمة ؟ هناك كلمات جمالية ، فيخاطب زوجته باسمها ، وأحياناً يدلعها ، وعنده ضيوف ، هذا شيء خاطئ .
مرة شخص عمره خمس وثمانون سنة ، وزوجته عمرها ثمانون سنة ، وجاءه ضيف ، يا حبيبتي اصنعي لنا فنجان قهوة ، يا عيوني حضري لنا شاياً ، استغرب ، معقول هذه المودة بهذا السن ؟ قال له : والله نسيان اسمها بصراحة .
الآيات القرآنية المصرِّحة بذمّ بذاءة اللسان :
أيها الإخوة الكرام ، الآن من الآيات التي فيها ذم للبذاءة :
الآية الأولى :
﴿ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾
الآية الثانية :
﴿ وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾
الأحاديث النبوية المصرِّحة بذمّ بذاءة اللسان :
الحديث الأول :
لذلك ورد في بعض الأحاديث أن :
(( الحياء والعي شعبتان من الإيمان ))
الحياء الارتباك بالكلام إذا كان الموضوع حساسا ، موضوعا حميميا ، الارتباك بالكلام ميزة بالإنسان ،
(( الحياء والعي شعبتان من الإيمان ))
صريح يتكلم عن الحادثة بألفاظها البشعة ، بلا مواربة ، ولا بخجل .
الحديث الثاني :
(( الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، والبذاء من الجفاء ـ من البعد عن الله ، والجفاء في النار ))
الحديث الثالث :
(( ليس المؤمن بالطعان ، ولا اللعان ، ولا الفاحش ، ولا البذيء ))
الحديث الرابع :
(( وما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن ، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء ))
يبغضه .
أنت أمام فضيلة عالية جداً ، أن تجعل لسانك نظيفاً .
مرة إنسان ببلد عربي بذيء اللسان جداً ، ويحتل منصباً رفيعاً ، كلماتهً فاحشة ، فمرة سلق خصومه ببذاءة لسانه ، وقال : سأدوسهم بجزمتي ، فردوا عليه في صحيفة في اليوم الثاني أنه يشرفنا أن يطأنا بجزمته ، لأنها أنظف من لسانه .
أقوال الصحابة والتابعين والعلماء في بذاءة اللسان :
ـ ابن عمر رضي الله عنهما يقول : << إن أبغض الناس إلى الله كل طعان لعان >>.
ألأم شيء في الإنسان الفحش .
ـ يقول الأحنف بن قيس : " ألا أخبركم بأدوء الداء ، أي بأشد الداء إيلاماً ؟ اللسان البذيء والخلق الدنيء " .
فيه دناءة .
ـ وقال عطاء رحمه الله تعالى في تفسير قوله تعالى :
﴿ وَأَصْلَحْنَا لهُ زَوْجَهُ ﴾
" كان في خلقها سوء ، وكان في لسانها طول ، وهؤلاء بذاء ، فأصلح الله له ذلك " .
أحياناً الزوجة يطول لسانها على زوجها ، و د تستخدم كلمات بذيئة .
ـ أبو الدرداء رحمه الله تعالى رأى امرأة سليطة اللسان فقال : "لو كانت هذه خرساء لكان خيراً لها " .
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إن المرأة تذكر أنها تكثر من صلاتها ، وصيامها ، وصدقتها ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : هي في النار ))
ـ إبراهيم بن ميسرة رحمه الله تعالى قال : " يؤتى بالفاحش المتفحش يوم القيامة في صورة كلب ، أو في جوف كلب " .
ـ وقال الفضيل بن عياض : " خمس من علامات الشقوة : القسوة في القلب ـ قلب كالصخر لا يرحم ـ وجمود في العين ، وقلة حياء ، والرغبة في الدنيا ، وطول الأمل " .
قال بعض الشعراء :
إذا قلّ ماء الوجه قلّ حياؤه فلا خير في وجه إذا قلّ ماؤه
حياءك فاحفظه عليك فإنما يـدل على وجه الكريم حياؤه
***
إن الله تعالى حيي كريم ، الإله العظيم حيي كريم ، يستحي من عبده إذا بسط إليه يديه أن يردهما خائبتين .
بذاءة اللسان دليل على قلة الدين وضعف الإيمان وخبث النفس :
لاشك أن بذاءة اللسان دليل ضعف الإيمان وقلة الدين ، وأن بذاءة اللسان دليل خبث الطوية ، وأن بذاءة اللسان يسبب قلة الأصحاب ، وبعد الأهل والأحباب ، وأن بذاءة اللسان يحتاج صاحب اللسان البذيء إلى أن يعتذر كثيراً ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إياكم و ما يُعتذر منه ))
بذاءة اللسان تؤدي إلى الهوان على الناس ، بذاءة اللسان دليل قلة الحياء ، بذاءة اللسان تؤدي إلى الفحش والفاحشة في المجتمع وبين الناس ، طبعاً إذا انتشرت الفاحشة هانت على الناس ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ ﴾
لا تحدِّث الناس بقصص الفحش :
مثلاً : لو انتهى إلى سمعك خيانة زوجية ، وتفاصيل مثيرة ، كيف دخل إلى البيت بالليل ؟ وكيف اكتشف الزوج الخيانة ؟ وكيف فاجأهم عراة مثلاً ؟ هذه قصة حينما تروى كثيراً في الأوساط ندخل الناس بدائرة الفحش ، بصراحة منهي أن تذكر قصص الفحش ، أنت لم تعمل شيئاً ، أنت طاهر سليم معافى مستقيم ورع ، لكن تروي قصصاً ، هذه قصص مثيرة جداً تثير الحاضرين ، ويوجد شباب ، وأطفال وكبار وصغار :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
القصص التي لا يمكن أن تلقى على مسامع الناس ينبغي أن تكون بين شخصين محدودية النشر ، وهناك شعوب تحب الفضائح ، ببعض البلاد صحف يومية خاصة بالفضائح ، وهناك شعوب تحب الفضائح ، وإسلامنا العظيم ينهى عن نشر الفاحشة .
أيها الإخوة الكرام ، لعلي مصيب في اختيار هذه الموضوعات ، أمضينا عشرين عاماً في الحديث عن مكارم الأخلاق ، لكن هذه أشياء خطيرة جداً ، حينما نذكرها ، ونشمئز منها ، ونحتقر صاحبها نكون قد ابتعدنا عنها .
إيّاكم وأدب وفن الانحطاط :
هناك بالفن والأدب ، الأدب فن من أرقى الفنون ، هو التعبير المثير عن حقائق الحياة ، وهناك مقولة أنه يمكن أن تصور الرذيلة ، لا مانع ، وهناك قصص تصف انحطاط الإنسان ، لكن الشرط أن تُصور الرذيلة على نحو نشمئز منها ، فإذا صورت على نحو نعجب بها ينهار مجتمع بأكمله ، الأعمال الفنية الآن القصص ، التمثيليات ، حينما تُظهر الانحراف الأخلاقي على أن صاحبه مستمتع بالحياة هو الذي يعيش على هوى نفسه ، وقد تأتي الموعظة بكلمة تقال في آخر المشهد ، لكن طوال المشهد صورت هذه الرذائل على نحو نعجب منها ، فإذا صورت الرذائل على نحو نعجب بها فإن مجتمعاً بأكمله قد ينهار ، لذلك قالوا : إذا قرأت قصة أو قصيدة أو حوارية أو مسرحية ، و شعرت أنها حركت مشاعرك العليا وتفكيرك المرتفع فأنت أمام فن رفيع ، أما إذا لم تحرك إلا التافه من مشاعرك والمنحط من تفكيرك فأنت أمام فن رخيص .
علموا أولادكم حبَّ الله ورسوله والصحابة والصالحين وبطولات الأبطال :
والله إنّ فعل الفن الرخيص في المجتمع فعل مدمر ، أدبوا أولادكم على محبة نبيكم ، ومحبة آل بيته ، المؤمن يملأ نفسه ، أصحاب رسول الله الأبطال ، وصدقوا أيها الإخوة حينما نتحدث عن صحابي جليل ، وعن عالم جليل ، وعن بطل مقدام ، وعن إنسان شهم ، وعن إنسان مضح ترتفع معنوياتنا جميعاً ، وبذكر الصالحين تتعطر المجالس ، المعنى المخالف : وبذكر المنحرفين تتعكر المجالس ، اجلس جلسة ، وافتح ملف الأخطاء ، أخطاء الناس ، هذا منحرف ، هذا حرامي ، هذا اعتدى على عرض صديقه ، هذه فاسقة ، هذه تزني بغياب زوجها ، تجد المجتمع أصبح كحثالة ، مستنقع آسن ، لا تستطيع أن تقف عندئذ ، فلذلك أنا أنصحكم بالمجالس الخاصة ، ابتعدوا عن نشر الفاحشة ، ابتعدوا عن نشر الأخطاء تُحطم ، وتنشر يأساً ، وإحباطاً ، بذكر الصالحين تتعطر المجالس ، و بذكر المنحرفين تتعكر المجالس .
كنت في جلسة من يومين ذكرت قصة إنسان ، تأثَّر الحاضرون تأثراً غير معقول ، بعضهم و الله دمعت عيناه ، أن شخصًا بأحد أحياء دمشق هو خطيب مجلس جامع الورد بالذات ، قصة قديمة جداً ، رأى في المنام رسول الله ، قال : بلغ جارك فلانا أنه رفيقي في الجنة ، جاره سمان ، هو خطيب يعتلي المنبر ، والبشارة ليست له ، لهذا الجار ، طرق باب جاره ، و قال له : لك عندي بشارة من رسول الله ، ولكنني لن أقولها لك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك ؟ استحلفه ، أنا ليس من عادتي أن أروي منامات ، ولكن اسمحوا لي هذه المرة الوحيدة ، فيبدو أن الجار تزوج امرأة ، وفي الشهر الخامس كان بطنها في الشهر التاسع ، في الشهر الخامس من زواجه كان بطنها في الشهر التاسع ، أي ليست حاملا منه ، زلت قدمها ، فقال هذا الجار : أنا بإمكاني أن أفضحها ، وبإمكاني أن أطلقها ، والناس كلهم معي ، والقانون معي ، والشرع معي ، هي زانية ، بإمكاني أن أسحقها بقدمي ، لكنني أردت أن أجعلها تتوب ، وأن أصلحها ، فجاء لها بقابلة ، وأخذ الطفل ، ووضعه تحت عباءته ، ودخل إلى جامع الورد ، و تَقَصَّد أن يدخل الجامع بعد أن بدأ الإمام بالصلاة ، وضع الطفل وراء الباب ، والتحق مع المصلين ، فلما انتهت الصلاة بكى الطفل ، وتحلق المصلون حوله متعجبين ، وجاء هو كأنه لا يعلم ، قال : ما القصة ؟ تعال انظر ، إنه طفل ، قال : أنا أكفله ، أعطوني إياه ، فأخذه ورده إلى أمه ، و سترها ، و كانت من النساء الصالحات ، لأنها ذابت شكراً له على ستره لها .
هناك أعمال بطولية يقشعر منها الجلد ، أنت حاول أن تروي قصصاً يرتفع بها الإنسان ، لا يسقط في الوحل .
الآن لا يوجد قصة إلا فيها خيانة ، أو سرقة ، أو عدوان ، أو إنسان لئيم قلبه كالصخر لا يرحم ، هذه القصص إذا انتشرت تسبب إحباطاً ، وهبوطاً للمعنويات ، لذلك قالوا : ما جلس قوم مجلساً يذكرون الله فيه إلا غشيتهم الرحمة ، التجلي بالجلسة ، نحن مسرورون جداً ، غشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، و حفتهم الملائكة ، و ذكرهم الله فيمن عنده ، و ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه إلا قاموا عن أنتن من جيفة حمار .
والله هناك سهرات ، بعد انتهاء السهرة يحكي لي بعض الناس أنهم لا يستطيعون أن يقفوا ، أخبار سيئة ، بشر منحطون ، لؤم ، كذب ، دجل ، تشك بإنسانية هؤلاء ، فأنا أنصحكم بقدر المستطاع ابتعدوا عن القصص السيئة ، لأنها تحطم ، وتحبط ، وتجعل الحياة سوداء ، أما الله فموجود ، وإله الصحابة إلهنا ، وأسباب البطولة موجودة ، ويوجد مواقف والله أستمع إليها ، والله أكاد لا أصدق هذه البطولة من شاب أو شابة .
أيها الإخوة الكرام ، البذاءة من النفاق ، والمؤمن يضبط لسانه .